فصل: تفسير الآية رقم (108):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (106):

{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106)}
{وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ} بنفسه إن دعوته أو خذلته. {فَإِن فَعَلْتَ} فإن دعوته {فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ الظالمين} جزاء للشرط وجواب لسؤال مقدر عن تبعة الدعاء.

.تفسير الآية رقم (107):

{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)}
{وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرّ} وإن يصبك به. {فَلاَ كاشف لَهُ} يرفعه. {إِلاَّ هُوَ} إلا الله. {وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ} فلا دافع. {لِفَضْلِهِ} الذي أرادك به ولعله ذكر الإرادة مع الخير والمس مع الضر مع تلازم الأمرين للتنبيه على أن الخير مراد بالذات وأن الضر إنما مسهم لا بالقصد الأول، ووضع الفضل موضع الضمير للدلالة على أنه متفضل بما يريد بهم من الخير لا استحقاق لهم عليه، ولم يستثن لأن مراد الله لا يمكن رده. {يُصَيبُ بِهِ} بالخير. {مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الغفور الرحيم} فتعرضوا لرحمته بالطاعة ولا تيأسوا من غفرانه بالمعصية.

.تفسير الآية رقم (108):

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)}
{قُلْ يَا أَيُّهَا الناس قَدْ جَاءكُمُ الحق مِن رَّبّكُمْ} رسوله أو القرآن ولم يبق لكم عذر. {فَمَنُ اهتدى} بالإِيمان والمتابعة. {فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ} لأن نفعه لها. {وَمَن ضَلَّ} بالكفر بهما. {فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} لأن وبال الضلال عليها. {وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} بحفيظ موكول إلى أمركم، وإنما أنا بشير ونذير.

.تفسير الآية رقم (109):

{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)}
{واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ} بالامتثال والتبليغ. {واصبر} على دعوتهم وتحمل أذيتهم. {حتى يَحْكُمَ الله} بالنصرة أو بالأمر بالقتال. {وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} إذ لا يمكن الخطأ في حكمه لاطلاعه على السرائر اطلاعه على الظواهر. عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة يونس أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بيونس وكذب به وبعدد من غرق مع فرعون».

.سورة هود:

.تفسير الآيات (1- 5):

{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4) أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)}
{الر كِتَابٌ} مبتدأ وخبر أو {كِتَابٌ} خبر مبتدأ محذوف. {أُحكِمَتْ آيَاتُهُ} نظمت نظماً محكماً لا يعتريه إخلال من جهة اللفظ والمعنى، أو منعت من الفساد والنسخ فإن المراد آيات السورة وليس فيها منسوخ، أو أحكمت بالحجج والدلائل أو جعلت حكمية منقول من حكم بالضم إذا صار حكيماً لأنها مشتملة على أمهات الحكم النظرية والعملية. {ثُمَّ فُصّلَتْ} بالفوائد من العقائد والأحكام والمواعظ والأخبار، أو بجعلها سوراً أو بالانزال نجماً نجماً، أو فصل فيها ولخص ما يحتاج إليه. وقرئ: {ثُمَّ فُصّلَتْ} أي فرقت بين الحق والباطل وأحكمت آياته {ثُمَّ فُصّلَتْ} على البناء للمتكلم، و{ثُمَّ} للتفاوت في الحكم أو للتراخي في الأخبار. {مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} صفة أخرى ل {كِتَابٌ}، أو خبر بعد خبر أو صلة ل {أُحْكِمَتْ} أو {فُصّلَتْ}، وهو تقرير لأحكامها وتفصيلها على أكمل ما ينبغي باعتبار ما ظهر أمره وما خفي.
{أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله} لأن لا تعبدوا. وقيل أن مفسرة لأن في تفصيل الآيات معنى القول، ويجوز أن يكون كلاماً مبتدأ للاغراء على التوحيد أو الأمر بالتبري من عبادة الغير كأنه قيل: ترك عبادة غير الله بمعنى الزموه أو اتركوها تركاً. {إِنَّنِى لَكُمْ مِّنْهُ} من الله. {نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} بالعقاب على الشرك والثواب على التوحيد. {وَأَنِ استغفروا رَبَّكُمْ} عطف على ألا تعبدوا. {ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} ثم توسلوا إلى مطلوبكم بالتوبة فإن المعرض عن طريق الحق لابد له من الرجوع. وقيل استغفروا من الشرك ثم توبوا إلى الله بالطاعة، ويجوز أن يكون ثم لتفاوت ما بين الأمرين. {يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا} يعيشكم في أمن ودعة. {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} هو آخر أعماركم المقدرة، أو لا يهلككم بعذاب الاستئصال والأرزاق والآجال، وإن كانت متعلقة بالأعمار لكنها مسماة بالإِضافة إلى كل أحد فلا تتغير. {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} ويعط كل ذي فضل في دينه جزاء فضله في الدنيا والآخرة، وهو وعد للموحد التائب بخير الدارين. {وَإِن تَوَلَّوْاْ} وإن تتولوا. {فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} يوم القيامة، وقيل يوم الشدائد وقد ابتلوا بالقحط حتى أكلوا الجيف. وقرئ: {وَإِن تَوَلَّوْاْ} من ولي.
{إلى الله مَرْجِعُكُمْ} رجوعكم في ذلك اليوم وهو شاذ عن القياس. {وَهُوَ على كُلّ شَئ قَدِيرٌ} فيقدر على تعذيبكم أشد عذاب وكأنه تقدير لكبر اليوم.
{أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} يثنونها عن الحق وينحرفون عنه، أو يعطفونها على الكفر وعداوة النبي صلى الله عليه وسلم، أو يولون ظهورهم. وقرئ: {يثنوني} بالياء والتاء من اثنوني، وهو بناء مبالغة و{تثنون}، وأصله تثنونن من الثن وهو الكلأ الضعيف أراد به ضعف قلوبهم أو مطاوعة صدورهم للثني، و{تثنئن} من اثنأن كأبياض بالهمزة و{تثنوي}. {لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ} من الله بسرهم فلا يطلع رسوله والمؤمنين عليه. قيل إنها نزلت في طائفة من المشركين قالوا: إذا أرخينا ستورنا واستغشينا ثيابنا وطوينا صدورنا على عداوة محمد كيف يعلم. وقيل نزلت في المنافقين وفيه نظر إذ الآية مكية والنفاق حدث بالمدينة. {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} ألا حين يأوون إلى فراشهم ويتغطون بثيابهم. {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} في قلوبهم. {وَمَا يُعْلِنُونَ} بأفواههم يستوي في علمه سرهم وعلنهم فكيف يخفي عليه ما عسى يظهرونه. {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} بالأسرار ذات الصدور أو بالقلوب وأحوالها.

.تفسير الآية رقم (6):

{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)}
{وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا} غذاؤها ومعاشها لتكفله إياه تفضلاً ورحمة، وإنما أتى بلفظ الوجوب تحقيقاً لوصوله وحملاً على التوكل فيه. {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} أماكنها في الحياة والممات، أو الأصلاب والأرحام أو مساكنها من الأرض حين وجدت بالفعل ومودعها من المواد والمقار حين كانت بعد بالقوة. {كُلٌّ} كل واحد من الدواب وأحوالها. {فِى كتاب مُّبِينٍ} مذكور في اللوح المحفوظ، وكأنه أريد بالآية بيان كونه عالماً بالمعلومات كلها وبما بعدها بيان كونه قادراً على الممكنات بأسرها تقريراً للتوحيد ولما سبق من الوعد والوعيد.

.تفسير الآيات (7- 8):

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)}
{وَهُوَ الذي خَلَقَ السموات والارض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} أي خلقهما وما فيهما كما مر بيانه في (الأعراف)، أو ما في جهتي العلو والسفل وجمع السموات دون الأرض لاختلاف العلويات بالأصل والذات دون السفليات. {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء} قبل خلقهما لم يكن حائل بينهما لأنه كان موضوعاً على متن الماء، واستدل به على إمكان الخلاء وأن الماء أول حادث بعد العرش من أجرام هذا العالم. وقيل كان الماء على متن الريح، والله أعلم بذلك. {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} متعلق ب {خُلِقَ} أي خلق ذلك كخلق من خلق ليعاملكم معاملة المبتلي لأحوالكم كيف تعملون، فإن جملة ذلك أسباب ومواد لوجودكم ومعاشكم وما تحتاج إليه أعمالكم ودلائل وأمارات تستدلون بها وتستنبطون منها، وإنما جاز تعليق فعل البلوى لما فيه من معنى العلم من حيث إنه طريق إليه كالنظر والاستماع، وإنما ذكر صيغة التفضيل والاختبار شامل لفرق المكلفين باعتبار الحسن والقبح للتحريض على أحاسن المحاسن، والتحضيض على الترقي دائماً في مراتب العلم والعمل فإن المراد بالعمل ما يعم عمل القلب والجوارح ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيكم أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله» والمعنى أيكم أكمل علماً وعملاً. {وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الموت لَيَقُولَنَّ الذين كَفَرُواْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} أي ما البعث أو القول به أو القرآن المتضمن لذكره إلا كالسحر في الخديعة أو البطلان. وقرأ حمزة والكسائي {إلا ساحر} على أن الإشارة إلى القائل. وقرئ: {إِنَّكُمْ} بالفتح على تضمن قلت معنى ذكرت أو أن يكون أن بمعنى على أي ولئن قلت علَّكم مبعوثون، بمعنى توقعوا بعثكم ولا تبتوا بإنكاره لعدوه من قبيل ما لا حقيقة له مبالغة في إنكاره.
{وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العذاب} الموعود. {إلى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ} إلى جماعة من الأوقات قليلة. {لَّيَقُولَنَّ} استهزاء. {مَا يَحْبِسُهُ} ما يمنعه من الوقوع. {أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} كيوم بدر. {لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} ليس العذاب مدفوعاً عنهم، و{يَوْمٍ} منصوب بخبر {لَّيْسَ} مقدم عليه وهو دليل على جواز تقديم خبرها عليها. {وَحَاقَ بِهِم} وأحاط بهم وضع الماضي موضع المستقبل تحقيقاً ومبالغة في التهديد. {مَّا كَانُوا بِهِ} أي العذاب الذي كانوا به يستعجلون، فوضع {يستهزؤون} موضع يستعجلون لأن استعجالهم كان استهزاء.

.تفسير الآية رقم (9):

{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)}
{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً} ولئن أعطيناه نعمة بحيث يجد لذتها. {ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ} ثم سلبنا تلك النعمة منه. {إِنَّهُ لَيُؤُوسٌ} قطوع رجاءه من فضل الله تعالى لقلة صبره وعدم ثقته به. {كَفُورٌ} مبالغ في كفران ما سلف له من النعمة.

.تفسير الآية رقم (10):

{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10)}
{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ} كصحة بعد سقم وغنى بعد عدم، وفي اختلاف الفعلين نكتة لا تخفى. {لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السيئات عَنّي} أي المصائب التي ساءتني. {إِنَّهُ لَفَرِحٌ} بطر بالنعم مغتر بها. {فَخُورٌ} على الناس مشغول عن الشكر والقيام بحقها، وفي لفظ الاذاقة والمس تنبيه على أن ما يجده الإنسان في الدنيا من النعم والمحن كالأنموذج لما يجده في الآخرة، وأنه يقع في الكفران والبطر بأدنى شيء لأن الذوق إدراك الطعم والمس مبتدأ الوصول.

.تفسير الآية رقم (11):

{إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11)}
{إِلاَّ الذين صَبَرُواْ} على الضراء إيماناً بالله تعالى واستسلاماً لقضائه. {وَعَمِلُواْ الصالحات} شكراً لآلائه سابقها ولاحقها. {أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم. {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} أقله الجنة والاستثناء من الإنسان لأن المراد به الجنس فإذا كان محلى باللام أفاد الاستغراق ومن حمله على الكافر لسبق ذكرهم جعل الاستثناء منقطعاً.

.تفسير الآية رقم (12):

{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)}
{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ} تترك تبليغ بعض ما يوحى إليك وهو ما يخالف رأي المشركين مخافة ردهم واستهزائهم به، ولا يلزم من توقع الشيء لوجود ما يدعو إليه وقوعه لجواز أن يكون ما يصرف عنه وهو عصمة الرسل عن الخيانة في الوحي والثقة في التبليغ ها هنا. {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} وعارض لك أحياناً ضيق صدرك بأن تتلوه عليهم مخافة. {أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ} ينفقه في الاستتباع كالملوك. {أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ} يصدقه وقيل الضمير في {بِهِ} مبهم يفسره {أَن يَقُولُواْ}. {إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ} ليس عليك إلا الإِنذار بما أوحي إليك ولا عليك ردوا أو اقترحوا فما بالك يضيق به صدرك. {والله على كُلّ شَئ وَكِيلٌ} فتوكل عليه فإنه عالم بحالهم وفاعل بهم جزاء أقوالهم وأفعالهم.

.تفسير الآيات (13- 14):

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)}
{أَمْ يَقُولُونَ افتراه} {أَمْ} منقطعة والهاء {لِمَا يُوحَى}. {قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مّثْلِهِ} في البيان وحسن النظم تحداهم أولاً بعشر سور ثم لما عجزوا عنها سهل الأمر عليهم وتحداهم بسورة، وتوحيد المثل باعتبار كل واحدة. {مُفْتَرَيَاتٍ} مختلقات من عند أنفسكم إن صح أني اختلقته من عند نفسي فإنكم عرب فصحاء مثلي تقدرون على مثل ما أقدر عليه بل أنتم لتعلمكم القصص والأشعار وتعودكم القريض والنظم. {وادعوا مَنِ استطعتم مّن دُونِ الله} إلى المعاونة على المعارضة. {إِن كُنتُمْ صادقين} أنه مفترى {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} بإتيان ما دعوتم إليه، وجمع الضمير إما لتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم أو لأن المؤمنين كانوا أيضاً يتحدونهم، وكان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم متناولاً لهم من حيث إنه يجب أتباعه عليهم في كل أمر إلا ما خصه الدليل، وللتنبيه على أن التحدي مما يوجب رسوخ إيمانهم وقوة يقينهم فلا يغفلون عنه ولذلك رتب عليه قوله: {فاعلموا أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ الله} ملتبساً بما لا يعلمه إلا الله ولا يقدر عليه سواه. {وَأَن لاَّ إله إِلاَّ هُوَ} واعلموا أن لا إله إلا الله لأنه العالم القادر بما لا يعلم ولا يقدر عليه غيره، ولظهور عجز آلهتهم ولتنصيص هذا الكلام الثابت صدقة بإعجازه عليه، وفيه تهديد وإقناط من أن يجيرهم من بأس الله آلهتهم. {فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} ثابتون على الإسلام راسخون فيه مخلصون إذا تحقق عندكم إعجازه مطلقاً، ويجوز أن يكون الكل خطاباً للمشركين والضمير في {لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ} لمن استطعتم أي فإن لم يستجيبوا لكم إلى المظاهرة لعجزهم وقد عرفتم من أنفسكم القصور عن المعاوضة فاعلموا أنه نظم لا يعلمه إلا الله، وأنه منزل من عنده وأن ما دعاكم إليه من التوحيد حق فهل أنتم داخلون في الإِسلام بعد قيام الحجة القاطعة، وفي مثل هذا الاستفهام إيجاب بليغ لما فيه من معنى الطلب والتنبيه على قيام الموجب وزوال العذر.